Sunday, April 27, 2008

ضيق في الأفق

المفكر ابن بيئته، وكلنا يعرف التحولات التي طرأت على لغة وانسيابية القصيدة لدى الشاعر في العصر العباسي علي بن الجهم، الذي عاش في بيئة صحراوية قاسية أثرت على ألفاظه، وعندما قدم من صحرائه ليمدح المتوكل قال له: أنت كالكلب في حفاظك للود/ وكالتيس في قراع الخطوب. أدرك المتوكل قوة شاعريته، فأسكنه في بستان قريبا من الرصافة حيث الناس والسوق والخضرة والنضرة، فقال بعدها ما اعتبر أجمل أشعار العرب غزلا: عيون المها بين الرصافة والجسر/ جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري.

إن تفسيرنا لكل شيء حولنا يكشف عن حدود أفقنا ولا يكشف عن مكنون النص، دينيا كان أو دنيويا، التفسير قصور أكثر من كونه رحابة.

تعرفت على أدب الأندلس، وأدب الغرب حديثه وقديمه. ورغم شغفي بقراءة المسرح، لم أعرف ما كان يقصده شكسبير أو أوسكار وايلد من خلال القراءة، فهمتهما فقط عندما سمعت وقرأت عن مقاعد المسرح الإنجليزي وبعد إلمام جيد باللغة. ساعتها أشفقت على الطالب العربي الذي يدرسه مدرس عربي، مسرحية أو رواية أو قصيدة إنجليزية. تعليم الطالب العربي مسرح الغرب بلغة مدرس وسيط أو تعليمه مترجما، هو أشبه بأن يستمتع طالب إنجليزي بقصيدة للمتنبي مترجمة للإنجليزية. المتنبي في الإنجليزية سيبدو بكل تأكيد شاعرا واعظا مباشرا وفجا، لن يستسيغه من عرف في القديم شعر وليم شكسبير أو وليم وردثورث أو تي إس اليوت أو شعر العبقري الآيرلندي وليم بتلر ييتس. من لم تكن لديه المفاهيم والمفاتيح الثقافية والذهنية لا يمكنه تذوق أدب حضارة أخرى، لأن الأدب في النهاية هو التعبير الأرقى عن أي حضارة.

الموضوع لا يخص الأدب فقط، وإنما يخص السياسة كعلم، ويخص الدين كعلم، والتاريخ كعلم أيضا. إن ما تعلمه المدارس والجامعات في عالمنا العربي لا يرقى إلى أن يسمى علما. حتى أن هناك الكثيرين ممن ينظر إليهم في هذا العالم على أنهم مثقفون لأنهم قرأوا مقدمات معرفية بعينها، ككتاب أو كتابين عن تاريخ الأدب أو عن تاريخ الفنون الجميلة. إن مثل هذه المعرفة والقدرة على الرسم والإلمام بالحقب التاريخية أو المعرفة ببعض كلاسيكيات الآداب والاقتصاد والسياسة، هي معرفة يحصل عليها طالب عادي تخرج من أي كلية في أميركا أو فرنسا أو بريطانيا، من المدارس التي تسمى ليبرال آرتس

(liberal arts schools)

. هذه ليست معرفة، بل هي ثقافة عامة يتحدث بلسانها كل من تخرج من أي كلية محترمة في الغرب.

للأسف، لدينا في العالم العربي ثقافة ضحلة عن العالم من حولنا. وتلك ليست مشكلة إذ يمكن تجاوزها بمزيد من الجهد الفردي والجماعي، ولكن المشكلة هي أن من يعرفون هذا النزر اليسير من الثقافة، يظنون أنهم لا يحتاجون إلى معرفة أي شيء جديد. في عالم يظن فيه المبتدئ أنه يعرف كل شيء، يستحيل الحديث الجاد. الجهل يخلق ضوضاء بلا فائدة، أقرب إلى لعبة الأرنب الإلكتروني التي لا تتوقف عن الحركة، المسماة

بـ«الإنرجيزار بني». الجاهل لا يتوقف عن الكلام، لذا نجد أن الجهل ينتشر عندنا بسرعة أكبر من انتشار العلم، ويجد له أنصارا أضعاف ما لدى أهل العلم.

تشعر وأنت تحدث الكثيرين من العرب اليوم ألا شيء هناك لا يعرفونه، إنهم ليسوا بحاجة إلى علم جديد، وإنما يريدون من العلم الجديد أن يؤكد لهم أن ما يعرفونه أفضل بكثير مما تعرفه المجتمعات المتقدمة! يريدون من علم الغرب ما يثبت لهم أن جهلم أرقى من علم الغرب ومعارفه..

نطير بطيران الغرب، ونقود سيارات الغرب، ونتطبب نتيجة تقدم أبحاث الغرب، ونتحدث في الميكروفونات وتنقل صورنا عبر الساتلايت لنتواصل ونشتم الغرب، ويلعب صغارنا على الكمبيوترات، وتؤسس جماعاتنا الإرهابية مواقعها على الإنترنت، كل ذلك بفضل تكنولوجيا الغرب.. ينسى هذا تماما إذا ما جلسنا في زار جماعي ورحنا نتحدث عن أخلاقنا الكريمة وشهامتنا وعداء الغرب لنا والوعد الذي نؤمن به بأننا سنسود العالم ذات يوم! في هكذا مجالس، إذا نطقت علما ونقدا خونوك، وإذا انخرطت معهم في تافه القول اتخذوك خليلا.

أول ما على العرب اليوم أن يتعلموه هو توسيع أفقهم. فليس هناك شيء يمكن لأمة أن تتعلمه إذا ما كان أفقها ضيقا. التفسيرات التي تخنقنا اليوم للدين والدنيا ليست نتيجة لضيق في الدين أو ضيق في الدنيا، وإنما هي ضيق في الأفق.

هل لسوريا مفاعل النووى؟

من المفهوم أن سورية تسعى إلى توازن عسكري مع إسرائيل. ولكن التسلح النووي ليس مهما في حرب بين بلدان متلاصقة مثل سورية واسرائيل. ولا أظنه يشكل هاجسا للسوريين. التسلح العسكري التقليدي هو الذي يحكم المعادلة. وهذا ما فعلته سورية في صفقة الصواريخ الباليستية الكورية.

مهما اختلفنا أو اتفقنا مع سورية، يجب ألا ننخرط في اللعبة التي تدخلنا في موضوع هل سورية عندها أو ليس عندها مفاعلات. فالمفاعل النووي، إن ثبت وجوده، هو خرق لبند في اتفاق دولي. أما أن تنتهك دولة سيادة دولة أخرى بضرب أراضيها عن طريق السلاح الجوي، كما فعلت القوة العسكرية الإسرائيلية باختراق الأجواء السورية، فهذا خرق للسلام والأمن الدوليين. علينا أن نرغم العالم على الحديث عن هذا الخرق للقانون الدولي بالمعلومات والحقائق لا بالشعارات التي لا يفهمها العالم، لا أن يلهينا الآخرون بقضية فرعية. إلا إذا قبلنا بأن مسألة الانتشار النووي أكثر خطورة على الأمن والسلم العالميين من أن تعتدي دولة على سيادة دولة أخرى