Saturday, October 20, 2007

تحول الغضب الى ثوره

يقال إن الفن يقلد الحياة، غير أن عندي اليوم مثالاً على كيف تقلد الحياة الفن، أقدم له بمقدمة.

المسيحيون الصهيونيون الذين عرضت فكرهم سابقا يؤمنون بالصعود، أو الارتقاء (بالانكليزية

Rapture)،

عندما يعود المسيح لينقذهم ويرفعهم الى الجنة، بعد أن يكون المسيح الدجال، أو الوحش الذي أولاه التنين سلطانه بحسب سفر الرؤيا، قد أضلَّ الناس بالخوارق حتى يتبعوه.

خبر المسيح الدجال معروف عند المسلمين، وفي صحيح مسلم ان الخليفة عمر، رضي الله عنه، قال ليهودي: قد بلوت منك صدقاً فحدثني عن الدجال. قال اليهودي: يقتله ابن مريم بباب لدّ.

والإشارة الى اللد هي عن موقع المعركة الأخيرة بين الخير والشر، أي هرمجدون، فالمسيح الدجال، أو رجل الإلحاد، ابن الهلاك، يقود معظم الناس الى الهاوية، ولا ينجو سوى المسيحيين الصهيونيين.

كنت كتبت عن هيلاري كلينتون وتقدمها في المنافسة على البيت الأبيض، وأكملت أمس بالمسيحيين الصهيونيين، ثم عدت الى الموضوع وقد تذكرت شيئاً عن الفن والحياة، ومن يقلد الآخر، من مهرجان ادنبرة للكوميديا السنة الماضية.

المهرجان شهد عدداً من الكوميديين المسلمين، وسخر أكثرهم من المتطرفين باسم الإسلام، فكان بينهم عمر مرزوق الذي قال انه لا تكفيه صعوبة العيش في الدنمارك كمسلم، بعد الجدال حول الرسوم الكاريكاتورية المعروفة، فهناك الآن مشكلة ان بليون مسلم يكرهونه لأنه دنماركي. وكانت هناك أيضاً إيرانية جريئة اسمها شابي شازيا لا اعتقد أنها ستعود الى ايران في وقت قريب.

عدت الى مهرجان السنة الماضية بعد ان تذكرت مسرحية بعنوان «هيلاري مقاتلة» تسخر من الاصوليين الآخرين، او المسيحيين الصهيونيين، فقد وجدتها أصدق اليوم منها قبل سنة عندما لم تكن هيلاري كيلنتون أعلنت رسمياً بعد ترشحها للرئاسة.

المسرحية من تأليف نك سالامون، وإخراج جون لورنس ريفيرا، وتدور أحداثها سنة 2009، والرئيسة هيلاري كلينتون تفاجأ ذات صباح وقد اختفى واحد في المئة من سكان العالم، بينهم أميركيون كثيرون.

يضغط العسكر الاميركيون على الرئيسة للزعم ان مخلوقات من الفضاء الخارجي خطفت الناس المختفين، فالعسكر خافوا من اضطرابات تعم البلاد، اذا وجد الاميركيون المؤمنون انهم تركوا على الأرض، في حين ان أمثال بيل كلينتون وجين فوندا وكيم ايل-جونغ رفعوا الى السماء.

المسرحية تتقلب بين الكوميديا والدراما، وهناك مشهد مضحك فعلاً، فالمبشر بات روبرتسون يبقى على الأرض، وقمر تجسس يكتشف انه أخفى سيارته بجانب الطريق وتخلص من ثيابه، وتنكر بلحية زائفة، ثم ركب دراجة هوائية واختفى، ليقنع أتباعه بأن المسيح اختاره الى جانبه.

المسرحية تظهر هيلاري وقد تراجعت أمام الضغط، وهي تعترف للشعب في النهاية بأن الصعود، او الارتقاء بدأ، وتواجه أزمة نووية في الشرق الأوسط، وتعتقد أن ملاك الموت يقول لها انها ليست مسؤولة عن مهد البشرية بل عن قبرها. (كانت هناك مسرحية أخرى عن أميركا بعد الصعود، تسخر بدورها من الأصوليين المسيحيين، وبين شخصياتها رئيس يشبه جورج بوش يقول: يجب أن أواصل قتل المتطرفين الدينيين. الله أمرني بذلك... كما أمره بالهجوم على أفغانستان ففعل، وعلى العراق ففعل).

كنت تابعت مهرجان السنة الماضية، من دون أن أتوقف طويلاً عند «هيلاري مقاتلة»، فهي لم تكن دخلت بعد حلبة المنافسة، ولم يكن أحد يتوقع لها التقدم الهائل على منافسيها الديموقراطيين والجمهوريين الذي تظهره استطلاعات الرأي العام أسبوعاً بعد أسبوع.

وفي حين كانت المسرحية السنة الماضية تقلد الحياة، فإن الحياة هذه السنة تقلد المسرحية من زاوية توقع فوز هيلاري كلينتون، لا من زاوية الصعود الذي أجد فكرته صعبة التصديق، فلا أزيد احتراماً للأديان، وإنما أكمل بقصة حفظتها لنا كتب الأدب العربي القديمة وتذكرتها، وأنا أقرأ على موقع «العربية» عن نساء لا يكشفن وجوههن لأزواجهن، وعن واحدة طلبت الطلاق لأن زوجها حاول رفع نقابها ليرى وجهها بعد 30 سنة من الزواج.

القصة القديمة تقول ان بدوياً أضاع حماراً لأهله، وأخذ يبحث عنه، والتقى في الطريق بامرأة بادلها الحديث حتى قام نوع من الاستلطاف بينهما. وهو عرض عليها ان تشرب ماء من زقٍّ معه، فرفعت نقابها لتشرب، ووجد البدوي ان المرأة فمها كبير وأسنانها سود بعضها مكسور، فقال لها كلاماً اصبح من أمثال العرب هو «أذْكَرَني فوكِ حمارَ أهلي»، وتركها ليكمل البحث عن الحمار، وفي هذا المعنى قال شاعر قديم: «ليت النقاب على النساء محرم/ كي لا تغشّ مليحة بنقاب».

في المقابل الشاعر الأندلسي مدح الأمير البربري، فلم يفهم كلامه ولم يُجزه، وعاد الى بيته ليتبعه مأمور ضرائب يهودي يطالبه بمال، فشكا قائلاً: تحكمت اليهود على الفروج، وطافت بالبغال وبالسروج، وأن الحكم صار للعلوج. ويختتم قائلاً: فقل للأعور الدجال هذا/ زمانك إن عزمت على الخروج.